للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا رجعتم إلى كتاب «تاريخ قضاة الأندلس» لوجدتم طائفة من أخبارهم. فكيف أقدمت أنا عليه؟ هؤلاء بحور العلم وأنا بِركة صغيرة قليلة الماء، فكيف وسعَت بركة صغيرة ما ضاقت عنه البحور والمحيطات؟ لقد حكمتُ في أكثر من خمسين ألف قضية، فإن أخطأتُ في واحد من الألف منها لَتعلّق خمسون مسلماً بعنقي يوم القيامة يريدون أن يأخذوا من حسناتي، وما أقلّ ما أدخرت لذلك اليوم من حسنات!

لذلك تمنيت لو أني ما دخلت القضاء ولا ذبحت نفسي بغير سكّين. فاللهمّ تدارَكْني بعفوك ورحمتك، وإن أكن أخطأت فظلمت أحداً فأرضِه يا ربي عني بفضلك، فإنك تعلم أني ما تعمّدت ظلم أحد.

* * *

لو أردت أن أجمع ذكرياتي في المحكمة (ولا أستطيع) لضاقت عنها حلقات كثيرة، لا سيما عن أخباري مع المحامين. ولقد كنت مرّة في مقابلة إذاعية مع أحد رجال الإعلام (وكلمة «الإعلام» وضعها صديقنا الدكتور مصطفى البارودي لمّا كان وزيراً في الشام) فسألني: ما رأيك في المحاماة والمحامين؟ قلت: بل سل ما رأي المحامي في القُضاة، كما تسأل عن رأي القاضي في المحامين.

أنا اشتغلت في المحاماة مدّة قصيرة لم تتجاوز ستة أشهر، وفي القضاء مدّة طويلة تزيد على ربع قرن، وأستطيع أن أجيب على السؤالين ولكن بجوابين مختلفَين؛ ذلك أن حُكمك على

<<  <  ج: ص:  >  >>