للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بل إن الشيوخ يقدرون على مثل ذلك؛ أنا الآن في الثمانين أكتب هذه الذكريات من ذهني لا أرجع فيها إلى شيء مكتوب، ولي برنامج يوميّ في الإذاعة وبرنامج أسبوعي في الرائي (التلفزيون) يرد فيهما في الشهر ما بين خمسمئة إلى تسعمئة رسالة، وأُسأل كل يوم في الهاتف أربعين أو خمسين سؤالاً أو أكثر من ذلك فأجيب على ما أقدر على جوابه منها، وأجد وقتاً وأجد -بحمد الله- طاقة على أكثر من ذلك.

* * *

كنت أحاول في المحكمة أن أتحرى الحقّ وأسلك طريق العدل، على مقدار ضعفي وعجزي، وكنت أرجو رضا الله. ولكني شعرت في هذا اليوم الذي أُعدّ فيه هذه الحلقة بالخوف من عواقب دخول القضاء وتمنيت لو أني لم أكن دخلته؛ ذلك أن بنتي المحاضرة في الجامعة في جدة خبّرتني اليوم أن إحدى الطالبات راجعتها تقول إنها تستحقّ درجة أعلى ممّا قدّرَت لها، فعادت إلى أوراقها فرأت أنها قد أخطأت في الحساب، وخشيَت أن تكون قد أخطأت مع غيرها من الطالبات، فسهرَت ليلها كلّه لم تنَم تعيد الجمع والتقسيم. وتسألني: ماذا تعمل؟ فأجبتها، ثم رجعتُ إلى نفسي فساءلتُها فقلت: ويحك يا نفس، ماذا تصنعين إذا كنتِ قد أخطأت الصواب في بعض ما أصدرت من أحكام؟

وطار النوم من عيني أنا أيضاً وخفت الله حقاً، وفهمت لماذا كان أكابر العلماء يفرّون من القضاء. لقد فر أبو حنيفة ومالك وسفيان الثوري، وكثير من أمثالهم ومَن هو قريب منهم،

<<  <  ج: ص:  >  >>