للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على ذلك جماعة في الشام منهم الأستاذ بدر الصفدي رحمة الله عليه. ومنهم من يعاون القاضي على تحقيق العدل بدراسة الأوراق وتمحيص الأدلّة، كما يفعل (أو يُفترَض أن يفعل) القاضي، لكن الفارق بينهما أن المحامي ينظر بعين واحدة هي عين موكّله فقط، والقاضي ينظر بعينين إلى الخصمين، نظرة لا تميز أحدهما عن صاحبه.

والمحاماة ليست حِمىً مستباحاً ولا عمارة مفتَّحة الأبواب ما لها بوّاب فمن رغب فيها دخل إليها، بل هي الأخت الصغرى للقضاء، ولا بدّ فيها من علم تؤيّده شهادة جامعية وتدريب تعترف به نقابة المحاماة.

وما كل من حمل الشهادة ورشّحَته للمهنة النقابةُ صار محامياً ناجحاً؛ فالدعاوى شتى وموضوعاتها وأشكالها كثيرة، ورُبّ دعوى تسمُّم مثلاً لا بدّ للمحامي فيها من معرفة شيء من الكيمياء، ودعوى تحتاج إلى العلم بشيء من الطب، ودعوى تحتاج إلى اطلاع على علم النفس. ولا أعني أن يكون المحامي عالماً بهذا كله، بل أن يُلمّ به بعض الإلمام ويعرف كيف يرجع إلى كتبه أو يستعين بعلمائه، وأن يكون -مع ذلك كله- حاضر البديهة بليغ اللسان، عارفاً بأحوال القضاة (أو المحلّفين في البلاد التي تأخذ بأسلوب المحلّفين، وبأحوال المجتمع الذين هم صورة مصغّرة له وعلى علم بأعرافه ومواضعاته، وإن كان الإسلام يأبى الأخذ بأسلوب المحلّفين).

والمحاماة علم وفنّ: علم بالفقه وبالقانون، وفنّ في حسن العرض وبراعة الأسلوب. فإن خلا من العلم كان إناء ثميناً جميلاً

<<  <  ج: ص:  >  >>