لكنه فارغ، وهل يُشبِع الجائعَ إناء فارغ؟ وإن كان الطعام لذيذاً طيباً ولكنه قُدِّم في طبق صدئ وسخ عافته النفس وانصرف عنه الجائعون.
وأكثر ما تظهر براعة المحامي وبلاغته في الدعاوى الجنائية التي تشغل الناس، يتابعون مراحلها وينتظرون الحكم فيها، لا سيما ما كان منها متصلاً بسياسة البلد والرأي العام، كقضية مقتل الدكتور عبد الرحمن الشهبندر في الشام، التي ألّف لها الفرنسيون مجلساً عدلياً واستعاروا قاعة المجلس النيابي، ورافع فيها محامون كبار من الشام ومن لبنان (وإن كانت المحكمة وكان المترافعون ينطقون الفرنسية لا العربية)، وقضية مقتل أنور السادات، والقضية التي تشغل الآن الناس وتملأ أخبارها الجرائد، قضية الجندي الذي ثأر لدير ياسين وتلّ الزعتر، ولكل من عدا عليه خنازير الشرّ وحثالة الناس، اليهود، فقتل سبعة منهم، فسمّاه القانون مجرماً ودعته الصحف ودعاه الناس بطلاً.
وأعاظم المحامين الذين قرأت لهم أو عنهم وعرفت أخبارهم كانوا من الفرنسيين، وفي البلاد العربية من المصريين. لقد ظهر في مصر محامون عظام، كما أن فيها وفي غيرها من البلاد العربية قضاة عظاماً. ولقد كنت قلت كلمة من قديم عُلّقت عليها تعليقات كثيرة بأقلام أدباء كبار، منهم من أيّدها ومنهم من ضعّفها ورد عليها، هي أن أبلغ الألسن واللغات لغة العرب، فهي في الدرجة الأولى، والثانية والثالثة شاغر مكانها، وفي الرابعة اللغة الفرنسية والفارسية والأرديّة، أما الإنكليزية فلا يحقّ لي أن أقول فيها شيئاً لأنني لا أعرف منها إلاّ ثلاث كلمات: إذا أردتَ أن ترجو أحداً