يدافع عن رجل قتل زوجته، فوصف حبهما حتى جعلهما قيساً وليلى أو روميو وجولييت، وصفاً شعرياً مؤثّراً، وبيّن اتفاق مشاعرهما حتى كأنهما روح واحدة نُفخت في جسدين، وأنه لم يكن يعدل بها أحداً ولا ترضى عنه بديلاً، وقال إنهما من حبهما وخشية أن تفرّق الأيام بينهما وليبقيا دائماً معاً اتفقا على الموت، بأن يقتل نفسه ثم يقتلها، وكانت ساعة وداع صبّا فيها رحيقَ حبهما، فلما جاءا ينفّذان الاتفاق بدأ فقتلها وقلبه معها وفكره فيها، ولكن من سمع طلقة المسدس هجم عليه وأمسك به فلم يستطع أن يقتل نفسه.
وبلغ من براعة وصفه وبلاغة دفاعه أن استمطر الدمع من عيون القضاة قبل الحاضرين، وصدر الحكم ببراءته. فلما خرجوا عادت إليهم عقولهم: كيف يقتل نفسه ثم يقتلها؟
ولا تعجبوا أن يدفع العاشقَ حبُّه المعشوقَ إلى قتله، فلقد صنع هذا ديك الجنّ، الشاعر المعروف الذي مات سنة ٢٣٥هـ. ولعلّ ذلك نوع من «الساديّة»(نسبة إلى الماركيز دوساد) التي لا يبلغ أصحابها لذّتهم إلاّ بتعذيب مَن معهم تعذيباً يصل إلى حدّ الجريمة، وضدّها «المازوخيّة»(أو المازوكية، نسبة إلى المؤلف الألماني ساشر مازوخ الذي أكثر من وصف المُصابين بها) ولعلّ منهم جان جاك روسو كما أقرّ على نفسه في اعترافاته المشهورة. فالمازوخي لا يحسّ المتعة إلاّ بأن يُعذَّب ويُهان. تقولون: هل هؤلاء مجانين؟ وأقول: وهل في الدنيا عاشق غير مجنون؟