يتسع له وقته فهو يتدارك أكثر القول بأقلّ الزمان. ولاشو تلميذ هوغو، فكتور هوغو الذي قال عنه شاعر النيل حافظ إبراهيم:
أعجميٌّ كادَ يعلو نجمُه ... في سماءِ الشّعرِ نجمَ العَرَبِ
ولم يكن هوغو محامياً له مكتب محاماة وعلى باب مكتبه لوحة تدلّ عليه وتُرشِد إليه، ولا كان اسمه مسجَّلاً في نقابة المحامين، ولكن له -على ذلك- مرافعات تصعد حتى تقف على ذروة البلاغة، كدفاعه عن ولده شارل أمام محكمة الجنايات.
ولقد خطر لي وأنا أكتب هذه الذكريات أن أعود إلى هذا الدفاع فأقرأه من جديد، فوجدتُه في الصفحة ٤٣٩ من كتابه «قبل المنفى»، واستنجدتُ بما بقي عندي من المعرفة باللغة الفرنسية، فوجدتُ ما بقي قليلاً، لأنني لم أفتح كتاباً فرنسياً منذ نلت البكالوريا سنة ١٩٢٧، بعد أن درسنا تلك اللغة قواعدها وأدبها كدراسة أبنائها، وعرفنا من أدبها، من أخبار كتّابها وشعرائها، مثل الذي كانوا يعرفون. ولكنّ مرّ الأيام وكرّ الليالي يُنسي المرءَ ما كان يحفظه.
وجدتها مرافعة رائعة وإن لم أكن معه في موضوعها، لأن موضوعها طلب إلغاء عقوبة القتل (التي يدعوها الناس «الإعدام»، مع أن الإعدام هو الفقر). والدول التي ألغت هذه العقوبة عادت فأقرّتها، أو هي تعمل على إقرارها، لأن «القتل أنفى للقتل»، {وَلَكُم في القِصَاصِ حَياةٌ يا أولي الألْبابِ}. وأين أولو الألباب؟