وتمنّيت أن يأتي من يترجم هذه المرافعات العظيمة (كما نُقلت معاني تأبين فولتير للمنفلوطي فكتبها بقلمه، فكانت قطعة أدبية فيها نموذج كامل للأسلوب الخطابي)، كمرافعات برييه الذي يكاد يكون أكبر محامٍ في تاريخ القضاء الفرنسي، وهو الذي دافع عن شاتوبريان ضدّ الملك لويس فيليب، وهو الذي أنقذ من الموت لويس نابليون الذي صار من بعدُ نابليون الثالث، ثم دفن مجده على يد بسمارك في حرب السبعين.
ومرافعات باربو ولابوري الذي دافع عن الكاتب الفرنسي إميل زولا في قصّة اليهودي دريغوس، القضية التي شغلت فرنسا يومئذ مدّة من الزمان، ذلك لمّا كتب زولا مقاله المشهور «أنا أتّهم». ومرافعات والدكروسو وتوريز وشارل شني، والمحامين الذين وصلوا إلى كرسي رئاسة الجمهورية مثل بوانكاره وفيفاني.
وأن يسمع مرافعات المحامين العظام في مصر، وكان منهم يوماً مكرم عبيد وعبد العزيز فهمي ولطفي جمعة، ومنهم المحامي الكبير الهلباوي، وإن لم تستطع أمجاده الكثيرة أن تمحو اللطخة التي تركتها في صحيفته «دنشواي»، كما أن قضية دنشواي نفسها لطخة عار في التاريخ البريطاني.
* * *
وأنا لو دخلت باب الكلام عن المحاماة وأهلها لم أستطع الخروج منه ولا العودة إلى ذكرياتي. فلماذا إذن قلت ما قلت، وما أنا من المحامين ولا كنت قاضياً في محكمة جنائية ولا في دعوى سياسية أسمع فيها مرافعات هؤلاء المحامين؟ لماذا صنعت ذلك؟