للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صنعته لأمرين: الأول أني كنت أتمنّى أن أكون محامياً في إحدى تلك القضايا، إذن لَجئتُ بالعجب العجاب ولتركت فيها قطعاً من الآداب الخوالد، لأني أملك بحمد الله كل أسباب النجاح فيها. ولا تعجبوا مني ولا تلوموني إن أشرتُ إليها، فإنما أذكرها تحدّثاً بنعم الله لا تعالياً على عباد الله، وإني لأملك بحمد الله سرعة البادرة والجواب الحاضر، وصوتاً قوياً مؤثراً أستطيع أن أتصرف به، وكل ذلك من شروط النجاح في المحاماة. على أنها أمنيّة من الأماني، وقد تختلط الأمنيات بالذكريات.

والثاني أن يكون فيما أكتب درس نافع للمحامين المبتدئين، لأن المحاماة إن كانت دفاعاً عن محقّ وردعاً لمُبطِل واقترنت بنية الثواب كانت من صالح الأعمال.

وأنا أُقرّ آسفاً أني اختصمت مع طائفة من المحامين لمّا كنت قاضياً في محكمة دمشق. من ذلك أنه كان عندنا محام معروف، شيخ أنيق الثياب قويّ جداً في المادة الفقهية والقانونية، ثقيل جداً على قلوب القضاة، لا يرعى لهم حرمتهم بل ربما ردّ عليهم رداً غير كريم، هو «خ. ق.»، ثم يُملي هذا الردّ على كاتب الضبط فيسجّله في صفحاته! وكان الذي جرأه على ذلك أن بعض مَن كان يقف أمامهم من القضاة كانوا ضعافاً في نفوسهم وفي اطّلاعهم، وكان هو على اطّلاع واسع، وكان يدرس قضاياه درساً حسناً ويُعدّ دفاعه إعداداً جيداً. ولقد عرفتُ خبره قبل أن أقابله فحاربته بمثل سلاحه؛ فدرست الدعوى التي يرافع فيها دراسة شاملة كاملة، حتى إنني لم أدَع فيها ورقة لم أنظر فيها. وأعددتُ قراراتي وأيّدتها بالنصوص القانونية والنقول الشرعية، فلما سمع أول واحد منها

<<  <  ج: ص:  >  >>