للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الهاتف من غير سلام. وذهبت من فوري إلى الوزارة فأعلنت لهم أني مستقيل وأني سأعلن أسباب استقالتي على الناس.

وكان الأمين العامّ للوزارة، أي وكيلها، صديقاً للشيشكلي، فلم أكَد أعود إلى المحكمة حتى فتح عليّ أخو الرئيس مرة أخرى، فهممت أن أقطع المخابرة، وإذا هو يبادرني بالاعتذار ويطلب أن أعتبر الأمر كأن لم يكن. وفهمت من بعدُ أن الأمين العامّ، أي وكيل الوزارة، رفع الأمر فوراً إلى الشيشكلي. وكان الشيشكلي رجلاً عاقلاً، عرفتُه من قرب وقابلته مرات، وكان يملك أعصابه ويحكّم عقله ولا يريد أن يُثير عليه رجلاً له قلم وله لسان، فلام أخاه لوماً شديداً وألزمه أن يعتذر إليّ فوراً.

ورُفعَت إليّ قبل ذلك دعوى لأخت الرئيس شكري بك القوّتلي، أيام كان في ذروة عزّه وقمّة سلطانه، وجاء المدّعى عليه، وهو رجل من آل العطّار، ووجهه منتفخ مُزرَقّ وأثر التعذيب ظاهر عليه والشرطة تحيط به. فقرّرتُ أولاً إخراج الشرطة من قاعة المحاكمة، وطَمْأنتُه إلى أن المحكمة لن تفرّق بين هذه الدعوى وبين غيرها من الدعاوى وأنه لن يجد منها إن شاء الله إلاّ العدالة والمساواة بين الخصمين. وكان ذلك، وسرت فيها كما أسير في الدعاوى كلها، واستعنت بالله فلم أميز دعوى أخت الرئيس عن دعوى أضعف امرأة قروية، فما نظرت فيها إلاّ في موعدها ولا جعلت لها فضلاً على غيرها، وعيّنت لها (وكانت دعوى تفريق) حكمين اثنين من وجهاء البلد ومن علماء التجار (أو من التجار العلماء) لهما منزلة عند الناس، يثق الجميع بهما ويُثنُون عليهما، هما الشيخ موسى الطويل، وسيأتي إن شاء الله كلام كثير عنه،

<<  <  ج: ص:  >  >>