للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بضاعة ويرفع بضاعة ويأتي بها ويذهب. فأقمت عنده مدّة، ثم ذهبت فلم آتِ.

وضقت بالتجّار وبوظيفة الكاتب أو المحاسب فقلت: أكون أنا التاجر! وما خُلقت -والله- للتجارة ولا أصلح لها ولا تصلح لي، وما عندي لها المال ولا الخبرة. وكانت عند أمي قطع حليّ فباعتها، وأخذتُ ثمنها وشاركت تاجراً كان طالب علم هو الشيخ رياض كيوان، واستأجرنا مخزناً في خان العمود، مقابل الخان العظيم والبناء الأثري الرائع خان أسعد باشا العظم. واتخذت لي مكتباً إلى جنب مكاتب كبار التجار، وكانت تجارتي بالسكّر والأرز نربح بالكيس كله قروشاً معدودة لا تكفي للغداء، فمن أين أُطعِم أسرة أنا كبيرها والمطلوبُ منّي أن أكون عائلها؟ أمن هذه القروش التي لا تبلغ ثمن غذائي أحضر فطور أمي وإخوتي الثلاثة وأختَيّ؟

ورأيت أن الرجوع إلى الحقّ أفضل من التمادي بالباطل، فتركت مكاني بين كبار التجار وخرجت من الخان كما دخلت، والحمد لله أن استطعت الخروج.

* * *

وكانت محكمة التمييز (محكمة النقض) التي كان والدي رئيسَ ديوانها تتنقل من السراي إلى بناية العابد في المرجة، إلى طريق الصالحية، إلى البحصة. فمررت أمامها فخطر لي أن أزورها، فرأيت الأستاذ محمد علي الطيبي قد حلّ محلّ أبي، فرحّب بي وساءلني، فلما عرف أني تركت المدرسة عجب وقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>