للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا بالمرأة تُسرع إليه، والرجل ينسى ما كان يقوله ويتلقّاه بذراعيه، ويلتقي من حوله الذراعان ذراع أمه وأبيه، ويتقاربان ويتلامسان، وأسمعها تقول له معاتبة: هيك يا فلان؟ تُنكِر أني زوجتك؟ وتغلبهما العاطفة فيدعان الولد بين أرجلهما وكانا جالسَين من حوله، ويقفان متعانقَين قد نسيا القاضي ومَن معه والمحكمة ومن فيها.

ويتأثر الناس وتنسكب مدامعهم، وأتصنّع الغضب فأقول: ما هذا يا قليل الأدب؟ تعانق امرأة أجنبية عنك علناً وفي المحكمة؟ فيقول: أجنبية؟ إنها زوجتي! فأقول: فلماذا كنت تنكرها؟ قال: ساعة غضب، الله يلعن الشيطان. كله من أمها، ومن طول لسانها هي؛ فكُفّ يا سيدي أذى أمها عنا وانصحها بأن تكون مطيعة مهذّبة الألفاظ وعرّفها بحقوق زوجها عليها.

هذه قصة واقعة أستطيع أن أجعل منها قصة أدبية أضمّها إلى كتابي «قصص من الحياة»، ويستطيع غيري أن يجعل منها فلماً يُعرَض في الرائي، وأنا أضمن أنه يكون فِلماً (١) ناجحاً.

* * *

كانت المحاكم ودوائر القضاء في دمشق منثورة نثراً في


(١) «الفِلم» من غير ياء (أي: فاء لام ميم)، وهي كلمة أجنبية عرّبها المجمع العلمي في دمشق من قديم، لمّا نشر الشيخ عبد القادر المغربي استفتاءه المشهور في الكلمات غير القاموسية (أي التي وردت في شعر يُحتَجّ به ولم تثبت في المعاجم) والكلمات الجديدة.

<<  <  ج: ص:  >  >>