للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمشير؛ أما المشير فللأمور العسكرية، وأما الوالي فلغيرها من الأمور المدنية. وكان مقر المشير عمارة من الخشب كبيرة جميلة، لمّا فتح جمال باشا أولَ شارع في دمشق سنة ١٩١٦ (على ما أذكر، وقد كنت يومئذ صغيراً في المدرسة الابتدائية) وقعَت في أوله. وكان لأهل الشام فيه يوم من أيامهم المعدودة، ذلك هو يوم العيد، إذ يجتمع في «المشيرية» الجند، ثم يقومون بعرض ضخم بشاراتهم وراياتهم وطبلهم وزمرهم، وكان أحدَ مشهدين يحتشد لهما الناس، هذا ويومُ خروج المَحْمِل إلى الحجّ.

ولمّا جاء الفرنسيون يحكمون الشام واغلين غاصبين، لا يستندون إلى عدل ولا قانون ولا دين، وإنما هو عدوان القوي على الضعيف وقاطع الطريق على المسافر، كانت حالنا يومئذ كحال فلسطين وكشمير وأرتيريا في هذه الأيام، وأمثالهن في الأرض كثير. أقول إنه لمّا جاء الفرنسيون جعلوها مقرّ مندوب المفوض السامي، أي وكيله أو نائبه في دمشق، فسُمّيت «المندوبية».

وأمّا الوالي فكان مقرّه في «سراي» المرجة. وهي بناء جميل يشبه القصور الصغيرة في أوربا في أواخر القرون الوسطى، لا يزال إلى الآن معدوداً من مظاهر العمران.

أمّا شارع بغداد الذي اقترح كثيرون (وأنا منهم) إنشاء القصر العدلي فيه فقد كان ثاني شارع في دمشق، فتحه الفرنسيون أيام الثورة الكبرى سنة ١٩٢٦ بعد شارع النصر بعشر سنين. ما فتحوه رغبة بعمارة البلد ولا حباً بأهلها. كيف وهم أعداؤها الذين أحرقوها وخربوها وتركوا ربوعها أطلالاً؟ إنما فتحوه ليسهل عليهم

<<  <  ج: ص:  >  >>