للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذي عشته بكل جوارحي وحفظت ذكراه بين جوانحي، عمّا صنعَت فيه دمشق وأهلها. ويقول لي: اسأل صديقك الأستاذ نصوح بابيل إن كنتَ نسيت أنباء بلدك، يذكّرك بها، بمقالتك «إلى بلدي الحبيب» التي قرأتُها وأنا في المدرسة الابتدائية من أكثر من أربعين سنة في كتاب المطالعة، ونقشتها على ظهر قلبي مع الكثير من كتاباتك التي لم يكن يخلو منها كتاب من كتب المطالعة المدرسية وكتب المختارات.

أنا نسيت؟

كيف أنسى بلدي وصورتُه أبداً أمام عيني وحبُّه في فؤادي؟ ألم أبذل له قوّتي وأقِفْ عليه لساني وقلمي؟ هل قصّرتُ في بِرّه حتى يأتي من يتّهمني بعقوقه وقد كنت به أبرّ الأولاد؟ ألم أكتب في وصف جماله وفي عصف نضاله مقالات حملَتها الصحف والمجلات وأعلنَتها المنابر والإذاعات فسارت مسير الشمس إلى كل مكان، يوم لم يكن قد وُلد إلاّ واحد من كل ألف من أهل الشام الآن؟ ألم أعرّف الناسَ ببلاد الشام وأغرس حبَّها في كل نفس وصلَت إليها مقالاتي عنها، ممن لم يكن يعرفها، عرّفته بمجتمعها وجامعها، وربوتها ومزتها، وغوطتها وواديها، بقاسيونها وشاذروانها ... وتلك أسماء أماكن مَن عرفها عرف مستقرّ الجمال في هذه الدنيا، ومن لم يعرفها فقد فاته اجتلاء أحلى مشاهد هذا الوجود.

لقد جعلت كل قارئ لها يهيم قلبه على البعد بحبها، ويعشقها على السماع لوصفها، ويتوق لرؤيتها توق المحب

<<  <  ج: ص:  >  >>