للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البلد، بل أدوّن قطعة من ذكرياتي أنا، أذكر القليل الذي قمت به وأدع للمؤرّخين بيان الكثير الذي قام به غيري.

كان الجيش على عهد الفرنسيين في الشام علينا لا لنا، وكانت قيادته بيد عدوّنا غاصب أرضنا، فلم يكن يدخل فيه أحد من أولادنا. فلما كان الاستقلال وتمّ جلاء المستعمرين عن بلادنا اشتجرت الآراء: هل نأخذ هذا الجيش فنستفيد من تدريبه وننظّفه من أدرانه ونُصلِح من شأنه ونجعله جيشاً وطنياً، أم نسرّح جنده وننشئ جيشاً جديداً؟

وكنت في سنة ١٩٤٣ اقترحت على الصديق الكبير جميل بك الدهان مدير الأوقاف العامّ (ولم تكن الأوقاف قد صارت وزارة) أن يدع هذا الاحتفال الذي يُقام في الجامع الأموي يوم المولد، فيُتلى فيه كلام مكذوب على رسول الله عليه الصلاة والسلام وتُنشَد فيه أناشيد أيسر ما فيها الغزَل بالرسول ووصف جماله وذكر وصاله، وأشياء من هذه البَابَة كلها سوء أدب مع الرسول وقلّة حياء، لا يُقال مثلها لشيخ الضيعة فما بالك بسيد البشر وأفضل ولد آدم؟ وفيها ما هو أشدّ من هذا، وهو الشرك الظاهر من دعاء الرسول وإطرائه حتى نَصِفه بما لا يُوصَف به إلاّ الله! وكل ذلك بحضور كبار الفرنسيين، الذين يصعدون السلّم الدوّار ويقعدون في السدة العليا من الجامع ويسمعون هذا كله، ثم يرون هجوم الناس على قراطيس الفستق (الملبّس)، يتخاطفونها ويتزاحمون عليها، في منظر لا يستطيع أعدى عدوّ لنا أن يهجونا هجاءً عمَلياً بأكثر من وصفه، وهم يصوّرون ما يرون.

<<  <  ج: ص:  >  >>