فما وجه العجب في هذا؟ وهل تصدّق أنني عجبت من عجبك، ثم ذكرت أن الحالة في مصر غيرها في الشام وفي السعودية. وأقطار العرب كلها أخوات، ومصر أختنا الكبرى، ولكن الطباع تختلف بين الأشقاء، ومصر تُغلِق غالباً على الحاكم الأبواب وتُقيم دونه الحُجّاب فلا يوصل إليه إلاّ بمشقة أو بكتاب، وأبواب رؤسائنا في الشام كانت مفتوحة، ولا تزال أبواب الملوك والأمراء في المملكة هنا مفتوحة لكل داخل.
لقد كنا نزور الرئيس وربما زارنا، ونكلّمه ويكلّمنا، فإذا جاءت الرسميات وقفنا معه عند حدّ القانون والأعراف. وكانت في دارنا لوحة مكتوبة بخطّ فارسيّ جميل لها إطار ثمين، فيها حكمة حفظتُها وأنا صغير ولا أزال دائماً أراها أمامي، هي:«أحسِنْ إلى مَن شئتَ تكن أميرَه، واحتَجْ إلى مَن شئتَ تكن أسيرَه، واستغنِ عمّن شئت تكن نظيره». فإذا كنت في غير حاجة إلى الرئيس وإلى الاستفادة من منصبه فأنت مثله.
ولقد كنت أرى في زيارتي الأولى للمملكة من ثلاث وخمسين سنة (١)، أرى البدوي القادم من باديته يدخل على الملك المؤسّس العظيم عبد العزيز، فيقعد بين يديه يكلّمه كما يكلّم صديقه ويطلب منه حاجته، بل يناديه باسمه يقول له: يا عبدالعزيز! ولقد مشى على ذلك أبناؤه جميعاً، فإذا جاء موعد الطعام بُسطت الموائد ووُضعت الأطباق، وقعدوا مع الملك يأكلون معه مما يأكل منه.