للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإهمالهم جمعَ المال وشراء السلاح، فقالوا إن الأيدي منقبضة والنفوس شحيحة. قلت: لا، بل أنتم المقصّرون. قالوا: هذا تاجر من أغنى التجار، فهلمّ بنا إليه تنظر ماذا نأخذ منه.

وذهبت معهم إليه في مخزن كبير حافل بالشارين، وحوله ولدان له شابّان يتفجّران صحّة ورجولة وجمالاً. وكلّمناه، وحشدتُ له كل ما أقدر عليه من شواهد الدين وأدلّة المنطق ومثيرات الشعور، فإذا كل ما قلته كنفخة وانية على صخرة راسية، ما أحسّت بها فضلاً عن أن ترتجّ منها. وقال: أنا لا أقصّر، أعرف واجبي وأدفع كل مرة الذي أقدر عليه. قلت: وهل أعطيت مثل الذي يعطي تجار اليهود؟ قال: وهل تمثّلني بتجار اليهود؟ قلت: وهل أعطيت مرة مالك كله؟

فشُده وفتح عينيه، وظنّ أن الذي يخاطبه مجنون وقال: مالي كله؟! ولماذا أعطي مالي كله؟ قلت: إن أبا بكر لمّا سُئل التبرّع للتسلّح أعطى ماله كله. قال: ذاك أبو بكر، وهل أنا مثل أبي بكر؟ قلت: عمر أعطى نصف ماله، وعثمان جهّز ألفاً ...

فلم يدَعْني أكمل وقال: يا أخي، أولئك صحابة رسول الله، الله يرضى عنهم. أين نحن منهم؟ قلت: ألا ترى أن البلاد في خطر وأننا إذا لم نُعطِ القليل ذهب القليل والكثير؟ قال: يا أخي الله يرضى عليك اتركني بحالي. أنا رجل بيّاع شرّاء لا أفهم في السياسة وليس لي بها صلة، وهذا مالي حصّلته بعرق جبيني وكدّ يميني، ما سرقته سرقة، فهل تريد أن أدفعه وأبقى أنا وأولادي وأحفادي بلا شيء؟ قلت: ما نطلب مالك كله ولكن نطلب عُشره.

<<  <  ج: ص:  >  >>