شكري بك والعلماء والوجهاء ورجال الحكومة ولجنة الأسبوع، حتى كأنه لم يبقَ في الشام أحد لم يحضر حفلة الافتتاح.
وأخجل أن أقول (وإن كان الذي أقوله حقاً) إن خطبتي كانت هي عماد هذه الحفلة. والخطبة مكتوبة عندي، لا أنقلها كلها إلى هذه الحلقة من الذكريات لأنها طويلة، ولكن أنقل منها ما يتسع لنقله المكان (١). قلت:
أنا أمتطي صهوات هذه المنابر وأقارع الفرسان في حلبات البيان من ثلاثين سنة إلى الآن، فلم تحرن عليّ هذه الأعواد ولم تتعسّر عليّ الخطب إلاّ هذه العشيّة؛ لا لأن الأحاديث الأربعة التي ألقيتها في التسلّح (وقد نقلت إليكم واحداً منها) قد استنفدَت كل ما لديّ من صور وأفكار، بل لأن سلاح الخطيب الحماسة التي يهزّ بها أوتار القلوب والعاطفة التي يستدرّ بها دموع العيون، وأنا أنزل الليلة إلى الميدان بلا سلاح. والخطيب يُسكِر السامعين بخمرة البلاغة ويجيئهم وقد أذهب السكْر قُواهم فيُدعَون فيلبّون، وأنا أواجه الليلة سامعين صاحين لم تلعب بألبابهم نشوة البيان. وما لي وللخيال؟ ما لي وللشعر وعندي من الحقائق الواقعة ما يُغني عن حيك الأساطير؟
ذهبتُ سنة ستّ وأربعين إلى مصر، وكان الطريق على فلسطين فأقمت فيها عشرة أيام، وكان لي فيها أصدقاء من الوطنيين العاملين، فلُمتُهم على قعودهم وقيام اليهود، على قعودهم
(١) الخطبة كلها في كتاب «هُتاف المجد»، وهي بعنوان «في افتتاح أسبوع التسلح» (مجاهد).