للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأرديتهم لأنهم لا يملكون غيرها وناموا على أرض السجن بلا غطاء. اللهمّ إن هذا شيء يكبر عن التعليق. وما هم وحدهم، لقد قُدّمت مئات من الفُرُش واللحُف ومن ثياب العرس ومن خواتم الزواج.

وطالت حفلة الافتتاح ساعات، وكان المذياع يحمل إلى البيوت كل ما كان فيها من أصوات، وسرَت الحماسة من هذا البهو إلى أطراف دمشق كلها، فجفا الرجالُ والنساء والأطفال بيوتَهم في هذه الليلة الشاتية العاصفة وتسابقوا إلى منصة التبرّع، وسرت إلى البلاد البعيدة، فتعاقبَت الهواتف من مَرْجِعْيون ومن حلب تُؤذِن بتبرّع مَن فيها.

وأنا أحلف أن لو كان يُوزَّع عند هذه المنصّة المال يُعطى جزافاً لما كان الناسُ أسرعَ إليها وأزحمَ عليها ممّا كان في تلك الليلة. وكان يُسمع من المذياع صوت أعضاء اللجنة يرجون الناس أن ينتظروا دورهم ولا يتزاحموا فلا يستجيب أحد ولا ينتظر، فلما طالت صاح عريف الحفلة يرجو راحة خمس دقائق، خمس دقائق فقط ليستريح فيها أعضاء اللجنة من تعب الأخذ، لا ليستريح الناس من تعب البذل فما تعب من البذل أحد. ورُفض الرجاء وتتابعت التبرّعات، فهل سمع أحد بمثل هذا؟

أنا أعرَف الناس بطيب عنصر هذا الشعب، وأنا الذي يكتب من أكثر من ربع قرن (المقالة مكتوبة سنة ١٩٥٥) أمجّد سلائقه ومزاياه، وأنا الذي جعل هذا موضوع خطبته في حفلة افتتاح الأسبوع، ومع ذلك دُهشتُ. دُهشت واللهِ ممّا رأيت. فكيف كان

<<  <  ج: ص:  >  >>