لأنني كنت أذهب إلى مدرستي فلا أحضره. وكان له درس آخر في جامع التوبة بين العشاءين يبدأ بعد صلاة المغرب وينتهي قبل صلاة العشاء.
ولم يكن ذلك شأن أبي وحده، فلقد عرفتُ -بعدُ- أن جملة من العلماء كانت لهم في منازلهم وفي مساجدهم مثل هذه الدروس. كانت مدارس، لكن ليس لمدرسيها رواتب يقبضونها ولا على طلابها أجور يدفعونها. منهم جارنا الشيخ أبو الخير الميداني، وهو شيخي ورفيق أبي في الطلب وزميله في القراءة على الشيخ سليم المسوتي (الألباني). وعندي للشيخ أبي الخير الميداني ولبعض مَن سأذكر في هذه الحلقة ذكريات تملأ حلقة أو حلقتين عن كل واحد منهم، ومنهم مَن أستطيع أن أُملي في سيرته وفي أخباره مما هو عالق بذهني ومرويّ عن الثقات الصادقين ما يملأ أربع صفحات إلى أربعين، ولعلّي -إن قدّر الله- أعود إليها فأكتبها أو أكتب بعضها.
ولمّا مات أبي ونزلنا من الصالحية على سفح قاسيون وعدنا إلى حارتنا هذه الأولى، قرأت على الشيخ الميداني الكتب التي كانوا يقرؤونها في النحو، وهي شرح الشيخ خالد الأزهري، والقَطْر، والشُّذور، وشرح ابن عقيل. أمضينا فيها سنوات طوالاً، وكانت للشيخ أبي الخير الميداني طريقة في تدريس النحو يُفهم بها الغبي ويُنطق العيِيّ، أحسب أني أشرتُ إليها.
ومن عيوبي في هذه الذكريات أنني أكتب الحلقة وليس أمامي صورة مما كتبت قبلها، لأن أوراقي مشوّشة مختلطة، فإن قمت أفتّش فيها حتى أصل سلسلة الكلام انقطعَت -كما يقولون-