للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

على الخير لا على الشرّ، وعلى العدل لا على الظلم، وعلى الإيمان لا على الكفر.

عفوكم يا أيها القراء. أرأيتم ماذا يصنع بي الاستطراد وكيف أتنكّب الطريق؟ كالراعي يرى بقعة فيها كلأ كثير فيسوق قطيعه إليها، فيحيد عن وجهته ويبتعد عن غايته. إنها علّتي وعلّة كل من نشأ على كتب الأدب العربي القديم.

* * *

قلت إن المدارس كانت تملأ حارات الشام (كما كانت تملأ المدارس حارات مصر ومسالكها)، وفي كثير من بلاد الإسلام مثلها. ومن قرأ «الدارس في المدارس» (١) أو «منادمة الأطلال» للشيخ عبد القادر بدران (وهو مقتبَس من «الدارس») ومَنمشى في طرق دمشق القديمة رأى العشرات من المدارس (وقد صار كثير منها بيوتاً مملوكة بأسناد رسمية!) وعلى بابها الحجرُ المنقوشُ عليه أنه وقَفَ هذه المدرسةَ فلانٌ الفلاني، ووقف عليها كذا وكذا من البساتين ومن المباني.

ومَن مشى مِن حيث يمشي نهر يزيد (وهو أحد أبناء بردى) على سفح الجبل من تحت قبّة السَّيّار إلى آخر حيّ ركن الدين، رأى أنقاض المدارس قائمة يأخذ بعضها بأيدي بعض كأنها صفّ النوادب في المآتم يبكين ما مضى. والعجب العجيب أن أكثر هذه


(١) اسمه الكامل «الدارس في تاريخ المدارس»، تأليف عبد القادر النّعيمي (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>