للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لإثباته. فإن لمحت في الأفق من جهة القرية سحاباً رجح عندك جانب الإثبات رجحاناً قليلاً، ٥٥ بالمئة مثلاً، فقلت: «أظنّ» أن فيها مطراً. فإن تراكب السحاب وتراكم واسودّ ولمعت خلاله البروق صار عندك «غلبة الظنّ». فإن ذهبت إلى القرية فرأيت المطر، أو تواتر به إليك الخبر، فهذا هو «العلم».

فالعلم هنا بمعنى اليقين، ولذلك قال جمهور العلماء إن حديث الآحاد لا يُفيد العلم ولو صحّ، وإنما يُعمَل به بغلبة الظنّ. وقال أهل الحديث وكثير من فقهاء الحنابلة إنه إن صحّ أفاده. فمن أنكر -على رأي الجمهور- عقيدةً جاءت في حديث آحاد لم نحكم بكفره، لأننا لا نستطيع أن نجزم بأن الرسول ‘ قاله كما نجزم بأن القرآن هو كلام الله، وإن كان المحدّثون بذلوا من الجهد في تحقيق الأسانيد غاية ما في طاقة البشر.

أقسام العلم

والعلم بمعنى اليقين قسّمه علماؤنا إلى «علم ضروري»، وهو اليقين الذي يجيء من طريق الحسّ، و «علم نظري»، وهو ما يحتاج إلى دليل.

ثم إن عندنا «العلم» الذي يقابل «الفنّ»، ومن هنا قلنا «علم الكيمياء» و «علم النحو»، وقلنا «فنّ التصوير» و «فنّ الإنشاء».

والعلم يمتاز من الفنّ بالغاية وبالوسيلة وبالأداة. فالعلم غايته الحقيقة والفنُّ غايته الجمال، والعلم وسيلته المحاكمة والفنّ وسيلته الشعور، والعلم أداته العقل والفنّ أداته العاطفة أو القلب كما يقولون. ومما يلاحَظ أن الأمم كلها قديمها وحديثها تخصّ القلبَ

<<  <  ج: ص:  >  >>