للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمذهب المالكي صار مذهب الدولة في الشمال الإفريقي كله من الزمن القديم إلى الآن. والمذهب الشافعي لا أعرف أنه صار مذهباً رسمياً إلاّ في عهد الأيوبيين، ولمّا جعل الملك الظاهر المذاهب الأربعة رسمية وأنشأ لكل واحد منها محاكم يتولاها قضاة يحكمون به، وصار لها في المدارس -على أيامه وبعده- فروع، كالذي ترونه في مدرسة السلطان حسن في القاهرة في أواوينها الأربعة وفي أروقة الأزهر وغيره من المدارس. أما المذهب الحنبلي فلا أعرف أنه صار مذهباً رسمياً للإفتاء والقضاء، أو كالمذهب الرسمي، إلاّ بعد قيام الدولة السعودية. وإن كان القضاة والمفتون هنا لا يلتزمون بالمذهب الحنبلي بل يبحثون عن الدليل الصحيح، فحيثما وقفوا عليه وقفوا عنده وأفتوا به (١).


(١) يقسّمون الفقهاء إلى أصحاب الرأي وأهل الحديث. وليس المراد الرأي المجرَّد، فالرأي وحده لا يُعتبر دليلاً شرعياً، والدليل قول الله وما صحّ من قول رسوله صلى الله عليه وسلم. ولكن أهل الرأي ينظرون -كما يُقال اليوم- إلى مقصد الشارع، وأهل الحديث يقفون عند حرفية النص أو قريباً منها. وبعبارة أخرى: إن أصحاب الرأي يأخذون بالأدلّة مجتمعة ويفهمونها معاً، فإن وجدوها تجتمع على شيء جعلوه قاعدة، فإن ورد حديث على خلافها قلّبوا الوجوه في فهمه حتى يوافق القاعدة المستنبَطة من مجموع الأدلة. والآخرون يأخذون به ولو خالف القاعدة، أي ولو جاء على خلاف القياس.
وهاكم حديث المُصرّاة مثلاً، وهي الدابّة (الشاة مثلاً) التي يُربَط ضرعها حتى يجتمع فيه اللبن فيحسبها المشتري كثيرة الحلب، فإذا حلبها رجع ضرعها إلى ما كان عليه. لقد رُفعت هذه القضية إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقضى على المشتري الذي يريد ردّها بعد حلبها بأن يردّها =

<<  <  ج: ص:  >  >>