للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأول الأربعة وأقدمهم زماناً وأسبقهم إلى الصناعة الفقهية الخالصة هو أبو حنيفة، وتلميذُه الإمام محمد هو أول من صنّف في الفقه. و «الموطّأ» كان قبله، ولكنه لم يكن فقهاً خالصاً بل كان -على علوّ شأنه وجلالة قدره- كتاب رواية واستنباط، أي كتاب حديث وفقه. ولمّا قدم أسدبن الفرات من تونس قرأ الموطّأ على مالك، ثم ذهب إلى العراق فقرأ على محمد كتبه، ثم دوّن مسائل مالك على أسلوبها، فكان من ذلك «المدوَّنة» التي صارت عماد مذهب مالك (واقرأ تفصيل هذا الخبر في كتابي «رجال من التاريخ» (١)).

والشافعي قرأ على محمد كتبه الفقهية، فكان شبه تلميذ له.


= ومنها مذهب داود الظاهري الذي نبذ القياس وبقي مذهبه حياً إلى أواسط القرن الخامس، ومذهب ابن جرير الطبري الذي استمر معروفاً معمولاً به إلى القرن الخامس أيضاً، ومذهب الأوزاعي في الشام. وكان الأوزاعي من رجال الحديث الذين يكرهون القياس، وكان أهل الشام يعملون بمذهبه، ثم انتقل مذهبه إلى الأندلس وبقي معمولاً به حتى منتصف القرن الثالث. وللأوزاعي موقف مشهود عظيم مع عبداللهبن علي العباسي لمّا قدم الشام متتبعاً بني أمية بالقتل، فمَن شاء قرأ خبره في كتب التاريخ (مجاهد).
(١) انظر مقالة «الفقيه الأميرال» في الكتاب. و «المدوَّنة» هي العمدة في الفقه المالكي، وهي منقولة من طريقين؛ أولهما طريق أسدبن الفرات هذا، والثاني طريق سحنون، وهو عبد السلامبن سعيد التنوخي وأصله من حمص. ويُستفاد من وصف النسختين أن نسخة سحنون أضبط وأحسن تبويباً، وهي التي كان الاعتماد عليها حينما طُبعت «المدوَّنة» في مصر قبل قرن ميلادي كامل (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>