للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك أن أصحاب المرأب (الكراج) وهم في العادة من أكذب الناس، وأنا أعلم ذلك عنهم ولكنني انخدعت لهم حين قالوا إن هذا الرجل قد مشت سيارته وهو يريد أن يلحق بها ويطلبون مني أن أُركِبه معي إلى الكسوة (وهي قرية على طرف دمشق الجنوبي)، وجعلوا يرقّقون قلبي ويتزلّفون إليّ ويثيرون فيّ مروءتي ونخوتي ويُقسِمون لي أنه لن يركب معنا أكثر من هذه الأكيال المعدودة، فقبلتُ، ولست أدري كيف قبلت. وحلّ بيننا، وحال بيني وبين أهلي وبناتي، وقيّدني وأمسك بلساني فلم أعُد أستطيع أن أتحدّث معهن كما أريد، واستلبَنا حريتَنا وضايقنا أشدّ الضيق.

فلما بلغنا الكسوة علمت أن المسألة كلها كذبة مدبَّرة وأنه لا سيارة له وأنه سيبقى معنا، فأصررتُ على إنزاله. ولم يكن له حقّ عليّ، ولكن زوجتي أخذتها الرأفة به وذهبَت تطلب مني أن أبقيه، وقالت إنها تصبر ويصبر البنات. فبقي راكباً معنا إلى حيفا، وتستطيعون أن تتصوّروا مبلغ ما أصابنا من هذا الضيف الثقيل الذي ركب معنا مجّاناً. ولم أكن أريد منه مالاً بل كنت أرضى أن أعطيه عشرة أضعاف أجرة السفر ولا يكون معنا! وخاتمة القصة أننا لمّا بلغنا القنطرة وذهبنا ننتقل من قطار فلسطين إلى قطار مصر، وكان معي حقائب كثيرة ومعي البنات وكنت في ضيق، مرّ بي فما سلّم عليّ ولا التفت إليّ ولا عرض عليّ مساعدة.

صدّقوني إن مثل هذا العمل يصرف الناس عن المعروف!

بقيتُ في حيفا يومَين. وكنت قد عرفتها من قبل، فاستطعت بهذه المعرفة أن أُريها أهلي وأولادي، فأخذت سيّارة دارت بهنّ البلد كلها، أريتُهن أحياءها. وصعدت بهنّ جبل الكرمل، ولم

<<  <  ج: ص:  >  >>