قد نقل بيته ومطبعته من شارع الاستئناف في ميدان باب الخلق إلى الروضة، في بناء أقامه لها، في واجهته كلمة «الفتح» كبيرة تكاد تملأ واجهة العمارة الصغيرة كلها. فسلكنا طريق مصر القديمة (الفسطاط) حتى قاربنا جسر (كُبري) الملك الصالح، بعد الشجرات الكبيرات التي جمعت الجلال والجمال، فاتّسقَت فروعها وامتدّ ظلّها، وكانت تخرج منها أشباه الأغصان فتنزل بدلاً من أن تصعد، حتى تبلغ الأرض فتمدّ فيها جذوراً ويكون من هذه الجذور شجرات جُدُد.
ولست أدري ما حال هذه الشجرات اليوم: هل بقيَت أم بدّلها الزمان الذي يبدّل كل شيء؟
فإذا اجتزنا الجسر على فرع النيل الصغير لم نذهب قدماً إلى الجسر الآخر على فرع النيل الكبير فنبلغ الجيزة، بل ننعطف فتكون الدارات (أي الفيلات) عن إيماننا والنيل الصغير عن شمائلنا حتى نبلغ «المندورة»، وهي شجرة ضخمة من تلك الأشجار التي وصفتُها ولكنها منفردة وحدها نائية عنها قائمة على الشطّ الآخر، كلها خرق معقودة على أغصانها. ذلك أنها مقدسة عند العامّة، يَنذرون لها النذور ويطلبون منها المطالب، كأن لم ينزل جبريل بالتوحيد الخالص على محمد عليه الصلاة والسلام وكأن لم تنتهِ أيام الجاهلية الأولى!
حتى بلغنا دار مجلة «الفتح» والمطبعة السلفية، وفوقهما دار خالي.