للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للقراء الآن من سرده هنا (١).

وطالما عُقِدت في دار الرسالة، في هذه الغرفة الصغيرة، بحضور الأستاذ الزيات غالباً وغيابه أحياناً، ندوات ودارت أحاديث في الأدب وفي العلم حضرها أدباء كبار وعلماء أجلاّء. وكانت الأحاديث تنساب هادئة كالنهر الرائق الماء الهادئ المجرى، فيها نفع ولا تخلو من نكتة تُضحِك أو طريفة تسلّي، وربما اضطرب الماء وقذف بالزبَد حين تشتدّ المناقشة حتى تكون مُهاوَشة، وكثيراً ما كنت أنا الذي يصنع هذا كله، أعترف الآن به وأرجو من الله أن يسامحني فيما أخطأت فيه.

وأنا أناظر أولاً برفق وأدب، أحاول أن لا أقول كلمة تخدش الخصم أو تجرحه، فإذا صدر منه ما يمسّ ديني أو كرامتي لبستُ جلد النمر ونكّبت عن ذكر العواقب جانباً، ولم أعُد أبصر من غضبي لديني أو لكرامتي مَن الذي هو أمامي، لا أبالي أن يكون كبيراً أو خطيراً. ولقد كان صِدام مرة بيني وبين الدكتور زكي مبارك، وكانت لي به صلة حسنة وأُقِرّ له أنه يملك أجمل أسلوب في هذا العصر. فنطق مرة بكلمة فيها كفر ظاهر وعدوان على الدين أثيم، فنبّهته فما انتبه وحذّرته فما بالى، فزاغ بصري ولم أعُد أرى أمامي الأستاذ


(١) القصة الكاملة للقاء علي الطنطاوي مع القُمّي هذا منشورة في العدد ٨٤٤ من مجلة «الفتح» الصادر في جمادى الآخرة سنة ١٣٦٦هـ في مقالة عنوانها: «كيف قابلت هذا القمّي»، وقد سبقتها بأسبوع واحد مقالة بعنوان «إلى علماء الشيعة» نُشرت في «الرسالة» في الخامس من أيار (مايو) سنة ١٩٤٧ (وهي في كتاب «فصول في الدعوة والإصلاح» الذي وفقني الله إلى إصداره من قريب) (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>