للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بينها كالفتى الغُرانِق (١) بين الرجال، وكلما دنونا من سفحه (يقول الوزير) صعدَت بنا العربة قليلاً وتَكشّف لنا من البلد ومن البساتين التي تحفّ به منظر أكبر، حتى وصلنا آخر حيّ المهاجرين حيث ينتهي خطّ الترام، فرأيت منظراً عجيباً.

ولقد سافرت إلى بلاد الشرق والغرب فما رأيت مثله: تنظر من ورائك فترى قاسيون الفتي الذي يشبه بين الجبال أدونيس في أساطير اليونان، وتتلفّت إلى يمينك فتُبصِر مدخل الطريق الجبلي إلى دُمّر بادياً بين صخرتين عظيمتين، وكان قديماً هو مدخل البلد. وتُطِلّ بعده على أجمل وادٍ في الدنيا أو هو من أجملها: ضيّق لا يتّسع إلاّ للطريق ولنهر بردى الذي يجري فيه، أمّا أبناء بردى فتمشي في الجبلين عن يمين وشمال واحدٌ فوق واحد لتسقي أعالي البلد وأسافله، والماء يخرج من الأعلى إلى الأدنى في شلاّلات دائمة، إذا نظرت إليها وإلى الأنهار والجبل من ورائها رأيت صورة صفوف من عقود اللؤلؤ في جيد غادة حسناء. ولا أقول هذا على طريقة علم البلاغة الميتة التي تُدرَّس في المدارس فلا تنشئ بليغاً، لكن أصف الحقيقة الحيّة المشاهَدة.

فإن اجتزت بنظرك الوادي إلى اليمين رأيت جبال المزة، وتحتها وتحت قاسيون أشجار الغوطة التي تبدأ من هنا وتنتهي شرقي دمشق بعد عشرين كيلاً. فمَن رأى بستاناً واحداً طوله عشرون ألف متر فيه من كل فاكهة زوجان ومن كل الثمار أشكال وألوان؟ والبلد وسط هذا البستان، وفي وسطها الجامع الأموي بقبّته


(١) الغُرانِق: الشاب الأبيض الناعم الجميل (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>