لقد تداول هذه المدرسةَ رجالٌ لا يعلمهم إلاّ الله. مرّ عليها الآن ستمئة وستّ وثلاثون سنة، فمَن يعلم مَن وليها فيها؟ ولكني أعلم أنها انتهت على أيامنا إلى الرجل الذي نقل التعليم في دمشق من الكتاتيب إلى المدارس، والذي تعلّم على يديه ثلث من كان يومئذ حياً من أبناء الشام، والذي لبث سبعين سنة يعلّم، والذي تعلّم عنده أبي ثم صار معلماً في مدرسته، وتعلّمت أنا في مدرسته ثم صرت معلّماً عنده، والذي رأيت في سجلّ تلاميذه يوم كنت معلماً اسمَ التلميذ واسم أبيه من قبله وجده من قبلهما، والذي كنت يوم مات سنة ١٣٤٩ محرّراً في جريدة «اليوم» عند الأستاذ عارف النكدي، فكتبت عنه، فجاء مَن يقول لي: أتشغل الجريدة بالكتابة عن شيخ كُتّاب؟
لم تكن قبله في الشام إلاّ مدرسة واحدة هي مدرسة الشيخ الصوفي، والمدرسة التي يعلّم فيها الشيخ محمد المبارك والد أستاذنا الشيخ عبد القادر المبارك، ومن تلاميذها الأستاذ محمد كرد علي الذي كان له الفضل على كل من اشتغل بالصحافة وبالكتابة في دمشق. الشيخ المبارك الذي كان يُعَدّ في زمانه من الأدباء أيام لم يكن في دمشق إلاّ قليل ممن يُعنى بالأدب، وكان الأدب سَجعاً ورصف ألفاظ، وكانت قدوةَ الأدباء وكان المثلَ