الأعلى لهم مقاماتُ الحريري. وإذا أردتم أن تروا مثالاً على أدب الشيخ محمد المبارك فاقرؤوا رسالته المطبوعة «بهجة الرائح والغادي في أحاسن محاسن الوادي».
بقي الشيخ عيد السفرجلاني يعلّم سبعين سنة، وكانت مدرسته لمّا افتتحها شيئاً جديداً مفرَداً، فلما كثرَت المدارس وصارت شيئاً قديماً انصرف التلاميذ عنها. ومن كانت عنده مجموعة الرسالة وجد في سنتها الأولى في عدد ٤ ذي الحجة سنة ١٣٥٢ مقالة لي عن الشيخ في أخريات أيامه (١). هذا الرجل الذي نسيه أهل دمشق، وقد كانوا يتلقّون العلم عنه ويقبسون الضوء منه، فيهتدون به في طرق الحياة المظلمة.
خبّروني: لماذا نؤلّف الكتب ونُعِدّ الدراسات -نجعلها موضوعات الرسائل الجامعية والأطروحات- عن رجال السياسة ورجال الفنّ ولا نقضي ديون رجال التعليم علينا؟ هؤلاء هم الذين نشّؤوا أولادنا، هم الذين وضعوا الأساس لبناء ثقافتنا، هم الذين يكون الصلاح منهم إن كانوا صالحين. فلماذا لا نوليهم من العناية ما يستحقّون؟ لماذا لا يكتب الشاميون عن الشيخ عيد السفرجلاني والشيخ كامل القصّاب والشيخ أبي الخير الطباع؟ لماذا لا نكتب هنا عن محمد علي زينل وعمّن فتح المدرسة الصَّوْلتية وعن الذين أقاموا للتعليم في المملكة هذا الصرح العظيم؟
ولا تعجبوا إن قلت لكم إن الشيخ عيد لبث سبعين سنة يعلّم، فأنا العبد الفقير أعلّم من ستين سنة، من سنة ١٣٤٥هـ،
(١) مقالة «نهاية الشيخ»، وهي في كتاب «قصص من الحياة» (مجاهد).