في نفسي إني أبقى معه ربع ساعة ثم أستحضر سيارة أذهب بها. ودعوته فدخل، وقعدت بين يديه كما كنت أقعد وأنا تلميذ له لمّا كنت صغيراً، وكان مدرّساً في مدرستنا، وقلت له: أهلاً وسهلاً. فقال: بكم، قلت: كيف الصحّة؟ قال: الحمد لله. قلت: شرّفتمونا. قال: أستغفر الله.
وانتهت هذه المقدمة، وانتظرت أن يبدأ الحديث بما جاء به فلم يتكلم ولم يبدُ عليه أنه ينوي الكلام، فدخلنا في الفصل الأول من أحاديث المجالس وتكلمنا عن الجوّ: تحسّن الجوّ. قال: الحمد لله. والمطر كثير. قال: حقيقة، الله يبعث الخير. انتهى الكلام عن الجوّ فلم يبدأ حديث الزائر الكريم. دخلنا الفصل الثاني من الكلام الفارغ فتكلمنا في السياسة، فتحدثنا عن إسبانيا والجنرال فرانكو وعن البرتغال وعن فنلندا وعن الأفغان.
وانتهى هذا الفصل على عجل. وجئت بالقهوة وقلت في نفسي إنه سيشربها ويحدّثني، فما نطق ولا فتح فمه، ولكن استرخى في مقعده وجعل يرتشف القهوة متمهلاً، كل ثلاث دقائق رشفة صغيرة، وأنا قاعد أتقلّب على مثل الجمر. وجعلت أنظر في الساعة وأتململ وأتحرك في مجلسي، ثم قلت له: عندنا اليوم جلسة في المحكمة، لذلك بكّرت في الذهاب. فقال: إن شغل المحاكم صعب، الله يعطيك العافية. قلت: الجلسة في التاسعة، وقد بقي دونها ثلث ساعة فقط. قال: أعانكم الله. قلت: تشرّفت بكم، وإذا كان لكم أمر فمروني به. قال: ما في شيء. قلت: هل من خدمة أقوم بها؟ قال: أبداً.