للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعشرات من أمثالها لا عشرة واحدة. لو أن ما يُنفَق فيها جمعته أيدٍ أمينةٌ وأنفقته في جهات صالحة لصارت دمشق في عشر سنين فقط جنّة في الأرض، ولَما بقي فيها فقير ولا جاهل ولا مريض، لأن هذه الأموال تُنشئ كل سنة عشرة مستشفيات (١) وعشرة ملاجئ وعشر مدارس.

وهذا كلام نشرته من أكثر من ثلاثين سنة.

* * *

وذهبتُ مرة إلى الكوّاء الذي يكوي لي ثيابي فلم أجده، فسألت عن غيره، فدلّوني على آخر له مكان واسع وعلى بابه لوحة كبيرة، وعلى شفتيه ابتسامة لا تفارقهما، فهما دائمتا الانفراج كأن قد انحلّت عضلاتهما فلا تنطبقان، وفي فيه لسان رطب ليّن طويل كأنه لسان الثعبان. فخدعني مظهره حتى دفعت إليه حُلّتي الجديدة التي ألبسها في المواسم وأتجمل بها في المجامع، ووصّيته أن يكويها لي كياً فقط وألاّ يغسلها، وأن يبعث بها إليّ في غده. فقال: أمرك ياسيدي، على عيني ورأسي، بِدْنا (٢) خدمة.

وانصرفت آمناً مطمئناً، وجاء الغد ولم تُرسَل، ومرّ يوم ثانٍ وثالث وسابع وثامن، وانصرفَت عشرة أيام والحلة عنده، وأنا


(١) المستشفى مذكَّر.
(٢) «بدنا» كلمة من عامية الشام بمعنى نريد، ولعلها محرفة من «بِوِدّنا» أقول هذا ظانّاً ولا أحقق. وهم يصرّفونها على كل الوجوه، فيقولون «بِدّي» للمتحدث المفرد و «بِدَّك» للمخاطب، وهكذا (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>