في السنة، وهذا أقلّ من الواقع، وكان في كل عقد مئة مدعوّ، وهذا هو الحدّ الأدنى، فإنه يُصرف في كل حفلة مئة ليرة ثمن هذه العلب إن كانت من العلب الرخيصة، فإن كانت من العلب الغالية أو كان المدعوّون مئتين أو ثلاثمئة صُرف في علب الملبس خمسمئة ليرة في الحفلة الواحدة.
فلو أنه أُلّفت جمعية لحمل الناس على توزيع الملبس في قراطيس وأوراق وأخذ ثمن العُلَب لإنفاقها في مساعدة الفقراء أو في بناء المستشفيات أو في عمل آخر من أعمال البرّ، ولم تشتغل إلاّ بهذا وحده، لاستطاعت أن تجمع من هذا الباب أكثر من ثلاثين ألف ليرة في السنة. فكيف إن أُنشئت جمعيات أخرى لتدفع غير ذلك من وجوه التبذير التي أَلِفَها الناس وتعوّدوا إضاعة الأموال الكثيرة فيها (مع أن الفقراء في أشدّ الحاجة إلى بعض هذه الأموال)؛ كطاقات الزهر التي تُهدى في الأعراس ويُنفَق فيها من مئة ليرة إلى ٥٠٠ في كلّ عرس (بحساب تلك الأيام)، فإن كان يُقام في دمشق مئة عرس في السنة، والواقع أكثر بكثير، فيكون مبلغ ما يُنفَق في البلد كل سنة ثمن هذه الأزهار التي تُلقى بعد أيام على المزابل من عشرة آلاف ليرة إلى خمسين ألفاً! (١)
وأكاليل الجنائز وكفوف الآس التي تُحمَل فيها في دمشق،
(١) ما أكثر ما نبّه جدي -رحمه الله- في أحاديثه وكتاباته إلى هذا السرَف الذي لا يعود على أحد من الناس بخير ويضيّع أموال الأمة في كماليات وتُرّهات لا فائدة منها. انظر على سبيل المثال مقالة «بطون جائعة وأموال ضائعة» في كتاب «في سبيل الإصلاح» (مجاهد).