فإن الباب يُفتح للمراجعين. قال: أظنّ البيت أحسن. قلت جازماً: غداً في المحكمة، وتركته ومشيت.
وجاءني في اليوم الثاني وبدأ يتكلم في الصحّة وفي الجوّ وفي أحوال الدنيا، ثم ألقى محاضرة بالثناء عليّ ومدحي وأني شيء عظيم وأثنى على كتبي، فسألته: أي كتاب قرأ منها؟ قال إنه قرأها كلها ولكنه أُعجِب بحديث الأربعاء. قلت: ولكن حديث الأربعاء لطه حسين. فلم يخجل ولم يضطرب وقال: عفواً، قصدت أن أقول كتاب فجر الإسلام. ولم أقُل له إن فجر الإسلام لأحمد أمين لئلاّ يقول إنه كان يقصد كتاب ألف ليلة وليلة!
وبعد هذه المقدمات التي لا آخر لها نطق بالدرة المصونة والجوهرة المكنونة، وعرض حاجته فإذا هو صاحب دعوى في المحكمة يريد أن يوصيني بها.
* * *
ودخلت مرّة دار صديق لي موظف عندنا في المحكمة، عمله تسجيل عقود الزواج وحضور حفلاتها، فوجدت في الدار خزانة كبيرة ملؤها علب السكّر الملبَّس من زجاجية وخزفية وخشبية ومعدنية، من مستديرة ومنبسطة ومربعة ومثلثة وملساء ومحفورة ومزوَّقة ومنقوشة ... من كل شكل وكل جنس، أرخصها بليرة (كانت الليرة يومئذ تعدل عشرين ليرة في هذه الأيام) ومنها علب من الفضّة عليها اسما الزوجين وتاريخ العقد ثمنها أكثر من عشر ليرات. فوقفت أنظر إليها وأفكّر: كم يُنفَق في دمشق كل سنة في أثمان هذه العلب؟ فرأيت أنه إن كان يُعقد في دمشق مئة عقد