للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكنت يوماً أقطع الشارع أتلفّت ذات اليمين وذات الشمال، أرقب السيارات وهُنّ يُسرِعن مختلفات الأشكال والمظهر ولكنهن متّحدات الحقيقة والأثر، كلها تمثل الموت تحت العجلات. فما كدت أتوسط الشارع حتى سمعت نداء ملهوف يهتف باسمي، فاستدرت لأنظر فكادت درّاجة نارية تصيبني، وولّت عني وأصوات محرّكها بالضجيج وسائقها بالشتم لا تزال في أذني، ووصلت إلى الرصيف وإذا بالرجل يلحق بي يناديني.

فوقفت، فأقبل عليّ وهو مفتوح الفم من الضحك والسرور وقال: الأستاذ الطنطاوي؟ قلت متجهماً: نعم. قال: أهلاً وسهلاً، في غاية الشوق، لقد مضى زمن طويل. قلت: على ماذا؟ قال: على لقائنا. قلت: ومتى التقينا؟ قال: أنسيتني؟ قلت: مَن حضرتك؟ فضحك وقال: احزر (والكلمة فصيحة). قلت: ياأخي أنا لا أعرفك ولم أعرفك قط. فازداد ضحكاً وقال: إنك تمزح بلا شك. قلت: قُل ما تريد وخلّصنا.

فذكر اسمه، قلت: ما سمعت بهذا الاسم قبل الآن. قال: طيب، الخلاصة، متى أستطيع التشرف بزيارتك؟ قلت: وماذا تريد مني؟ قال: لا شيء، لا شيء، التشرف بك فقط. قلت: أنا مشغول ويعرف أصحابي كلهم أني لا أزور أحداً ولا أستقبل زائراً إلاّ نادراً. قال: وهذا من النادر. قلت: يارجل، هل تريد مني شيئاً؟ قال: التشرف بك فقط، أنا أحب أهل الفضل والعلم. قلت: أنا لست منهم. قال: كيف وأنت سيدنا ومولانا؟ قلت: أستغفر الله. قال: متى أزورك؟ قلت: تعال إلى المحكمة في الساعة الواحدة،

<<  <  ج: ص:  >  >>