وقلما خلق الله قلباً مُغلَقاً من كل جوانبه فلا يؤثر فيه قول ولا يصل إليه منطق. هؤلاء الذين طبع الله على قلوبهم بكفرهم، وهؤلاء لا أمل فيهم ولا خيرَ يُرتجى منهم. وأكثر القلوب لها منافذ وأبواب على الداعي (أو الداعية) أن يعرفها، فمن الناس من ينفع معه الإقناع بالحُجّة العقلية، ومنهم من تُفيده الموعظة العاطفية، ومن يصلح معه الرجاء، ومن يحرّكه الخوف ... فكانت موفَّقة والحمد لله.
ورأيت في المجالس التي حضرتُها وحضرها الشباب مع زوجاتهم وهن متحجبات، رأيت مَن ذكّرني والله بما قرأت من سِيَر شباب الصحابة. لا أقول هذا مبالغة بل أسرده حقاً واقعاً، ولا يضرّهم أن يعيشوا في بلد غير مسلم فراراً من البلد المسلم الذي تسلّط عليه غير المسلمين وآذوا فيه أهلَ الدين، فإن لهم سالفة في الهجرة إلى الحبشة حيث الحرّية مَصونة واللسان طليق والقلم حرّ. لقد كانت أرض الحبشة أرضاً نصرانية ولكن لا يُظلَم عند ملكها أحد، ولم يكن ملكها يومئذ كمَن عرفنا من أمثال منليك وهيلاسِلاسي الذين كانوا من أعدى من عادى الإسلام.
كانت تتعلّم من عصام وتراجع الكتب، ثم تُقرئ البنات وتعاونهن ما وسعَتها معاونتهن، وتُصلِح إن كان بعض الفساد في الصلات بينهن، وهن يقابلنها حباً بحبّ وعطفاً بعطف، فكان الجميع أسرة واحدة.