استحسن هذا الجلباب ورغّب فيه طالبات المدارس، وجاء من كرام التجار مَن يتبرّع بالقماش للطالبات وممّن يحسن الخياطة مَن يخيطه لهن، فلبسه في تلك السنة آلاف. وإني لأعجب من بعض الجماعات في دمشق إذ يحاربن هذا الجلباب ويعارضنه ويفضّلن عليه معطفاً إلى منتصف الساق وتحته جوارب سميكة، يدّعين أنه لا يجلب الأنظار! مع أنها دعوى مردودة شرعاً وحسّاً، ذلك أن الجلباب يستر كل ما أمر الله بستره، وهذا الزيّ وإن سترت جواربُه لونَ السيقان فإنه يبيّن حجمها فتعرف صاحبتَها هل هي نحيلة أم هي ممتلئة سمينة. وأنا أعجب من إصرارهن على الباطل مع وضوح الحقّ لمن أراد أن يراه، أما الذي يُغمِض عينيه عن رؤية الشمس في رأد الضحى ويقول بأن الدنيا ظلام لأنه لا يبصر هو ما حوله، هذا من الأمراض التي أعيت من يداويها.
* * *
من دعا إلى الإسلام في تلك البلاد فلا بدّ له من أن يعرف لسان أهلها. ولمّا سافرَت إليها بنتي لم تكن تعرف إلاّ العربية، فتعلمَت اللغة الألمانية منذ سكنت آخن سنة ١٩٧٠ حتى أتقنتها، وتعلمت من قبلُ الفرنسية وأتقنتها لمّا عاشت في بروكسل ومن قبلها في جنيف، وأحسنت النطق بها وقراءتها، وأخذت نصيباً من الإنكليزية. ولم تكن تدعو إلى الله كالمدرّس القاعد على منبره والعصا بيده والتقطيبُ على وجهه، فينفّر بوضعه وشكله قبل أن ينفّر بمنطقه وقوله، بل كانت تخاطب الناس على مقدار أذهانهم، وتدرس نفسية كل واحدة منهن فتسلك السبيل الموصل إلى قلبها ليفتحه الله بها للإسلام.