للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشام مودَعة في خمس وثمانين صندوقاً لم تُفتَح من إحدى عشرة سنة، ولست أدري أأكلَتها الأَرَضة أم هي سالمة لا تزال، وأنا هنا محروم منها لا أستطيع الوصول إليها، ولم أجد المحسن الكريم الذي يوصلها إليّ، بالأجرة لا بالمجّان، فما أريد إحساناً من أحد لأن الله أغناني بإحسانه.

وقد أصبحت أزور الشام لِماماً لمّا حيل بيني وبين زيارتها، بعد أن كتبت عنها ما لم يكتب مثلَه أحدٌ من أهلها وشاركت أهلها النضال للاستقلال. وكان آخر عهدي بها من أربع سنين (١)؛ ذهبت إليها بعدما انقطعت عنها (أو قُطِعتُ) خمساً (٢)، فهبطت بي الطيارة في المطار الجديد، ولم أكن أعرفه من قبل، فنظرت إلى البلد من بعيد فقلت مقالة بلقيس: «كأنه هو»!

الجبل الذي يلوح لي جاثماً على حافة الأفق هو قاسيون، وهذه المنازل الماثلات صفوفاً كالأولاد المدلّلين في حضن الأب الحاني هي أحياء السفح: «الأكراد» و «الصالحية» و «المهاجرين». وهذه العمد البيض السامقة التي تشبه إصبع المتشهد يشير بكلمة الحق نحو السماء هي مآذن المساجد. ومن نِعَم الله على أهل الشام أنه لا ينشأ فيها حيّ جديد إلاّ كان أول ما يُقام فيه المسجد، يقيمه الشعب بماله، مساجد ليست للمظهر ولا للزينة ولكن لتمتلئ بالمصلّين والدارسين، وجلهم من الشباب.

هذي دمشق، فلِمَ لا أحسّ فرحة الآيب إلى بلده؟ لماذا


(١) كتب هذا الكلام سنة ١٤٠١.
(٢) ثم لم يعد إليها قط حتى توفاه الله، عليه رحمة الله (مجاهد).

<<  <  ج: ص:  >  >>