ولمّا دنا موعد الصلاة، وكان عليّ أن أخطب في ذلك اليوم وأصلّي بالناس، اختصرت الكلام وشرعت أودّعهم، فكان من قولهم لي مازحين: لكأنك تريد أن تُدخِلنا في دينك! أفلا تخاف أن نسحبك نحن إلى الدخول في ديننا؟ قلت: إن دينكم في الأصل منزَّل من السماء، وعيسى رسول من الله، ولكنكم فيه كالقاضي الذي يحكم بقانون قد صدر ما يعدّله ويُبطِل بعضَ أحكامه، والقانون الجديد أصدره وأمر باتّباعه الذي أصدر القانون القديم الذي تتمسكون به. ثم إني إن اتبعتكم خسرت وأنتم إن اتبعتموني ربحتم. قالوا: وكيف يكون ذلك؟ قلت: إن عندكم موسى وعيسى وعندي أنا موسى وعيسى ومحمد، فإذا اتبعتكم خسرت محمداً، وإن اتبعتموني أنتم بقي لكم موسى وعيسى وربحتم فوقهما محمداً صلّى الله عليهم جميعاً.
* * *
ورأيت يوماً في قلب البلد في الساحة الكبرى جمهرة من الناس من الشبان والشابات، يملؤون الساحة قاعدين على الأرض، ينامون على البلاط، يأكلون ويشربون وهم قاعدون، يتكوّم بعضهم على بعض، يختلط النساء بالرجال على حال لا يرضى بها الدين ولا تُقِرّها الأخلاق ولا يسيغها الذوق، هذه رأسها على كتفه وتلك رأسه في حجرها، وربما أبصرت وضعاً أفدح من ذلك:
وكانَ ما كانَ ممّا لستُ أذكُرُهُ ... فظُنّ شرّاً ولا تسألْ عن الخبر