في أعناقهم في موضع العقدة (الكرافات). وطلبوا مني -وكنت مصادفة في المكتبة- أن أجيب إن سمحت على بعض أسئلتهم.
وكان يوم جمعة، وقد وصلوا قبل الصلاة بساعتين فامتدّ جلوسي معهم حتى أذن الظهر. ولا أستطيع أن ألخّص ما دار بيني وبينهم، ولكن أقول إن الحقّ يعلو دائماً، والله وعد أهل هذا الدين أن يُظهِره على الدين كله ظهور حجّة وبرهان. ووجدتهم علماء ذوي فكر وبيان، ولكن المحامي مهما كان بارعاً لا تنفعه براعته إن كان يرافع في دعوى باطلة، الدليل البيّن عليها لا لها.
وكان مما قالوه لي: ألا تؤمنون بأن الإنجيل منزَّل من عند الله؟ قلت: بلى، ومن أنكر ذلك لم يكن مسلماً. قالوا: فلماذا لا تؤمنون به؟ قلت: هاتوه حتى أؤمن به. قالوا: ها هو ذا. قلت: سبحان الله، هل أنزل الله إنجيلاً واحداً أم أربعة؟ إن عندكم أربعة أناجيل وقد اصطفيتموها من عشرات كانت لكم، فأيها الذي أنزله الله؟ وهل عندكم النسخة الأصلية التي كُتبت في عهد المسيح ودُوّنت يوم نزل به الوحي عليه كما كان يصنع كُتّاب الوحي بالقرآن؟
وكان الترجمان بيننا ضعيفاً في الألمانية، يفهمها -كما بدا لي- فينقل لي كلامهم، ولكنه يعجز عن نقل كلامي إليهم. عرفت ذلك من وجوههم، لأن في بعض الجواب ما يثير خواطر أو أفكاراً كان ينبغي أن يبدو أثرها على وجوههم فما كنت أرى لها أثراً، ثم علمت -بعدُ- أن هذا المترجم كان حديث العهد بالقدوم إلى ألمانيا وكان عاجزاً عن التعبير بها.