وقد وفّقنا الله مع ذلك فصنعنا العجب. أليس عجباً أن نستخرج من القمح ونحن هنا في صحراء ما يكفينا ويفضل عنا حتى نصدّره إلى غيرنا؟ والبلاد التي كانت مصدر القمح إلى الرومان (حتى دُعيت «أنبار روما») صارت تستورده أحياناً. تلك هي الثمرة المرة المسمومة للاشتراكية التي هي بنت الشيوعية، أو لعلّها أمها فاعذروني فلست خبيراً بأنساب الشياطين! تلك التي ما دخلت بلداً إلاّ أدخلت إليه معها الضيق والضنك ونقص الأموال وفقد الحرّيات وفساد الضمائر والذمم، وأخرجت منه الخصب وسعة الرزق وراحة البال.
* * *
كنت أمضي أكثر وقتي في المسجد، نصلّي فيه وننام في غرف متصلة به ومنفصلة عنه. لا تعجبوا، فلقد جُعِلَت غرفاً مفردة في كل غرفة مرافقها وأمامها ممرّ فيه أبواب، فإذا فتحت الباب صارت الغرفتان معاً فكان منهما دار صغيرة، وإن فتحت باباً آخر اتصلت بهما غرفة ثالثة فصارت داراً من ثلاث غرف.
وفي المسجد مكتبة وتُقام فيه الصلوات الخمس، فإذا جاء يوم الجمعة خطب الخطيب بالعربية وتُرجمت الخطبة إلى الألمانية فقرة فقرة، يسكت الخطيب حتى يتكلم الترجمان، أو ألقيت الخطبة كلها ثم قام مَن يلخّصها باللغة الألمانية.
وجاءنا يوماً ثلاثة من القساوسة الألمان، وهم بروتستانت لا يتخذون القلانس التي يرتديها الكاثوليك وإنما يلبسون ما يلبس الناس، ولكن لهم شارات يُعرَفون بها منها ياقة بيضاء تكون