إلاّ إن دفعتَ مبلغاً من المال تُسقِطه في شقّ فيها بمقدار المدة التي تريد أن تُبقي الحقائب فيها، فإن دفعتَ أجرة ساعة واحدة وعُدت بعد انقضائها لن ينفعك المفتاح الذي أخذته معك لأن الصندوق لا ينفتح. وصناديق إن أسقطتَ فيها النقد المطلوب وكبست زراً ترك لك ما شئت من أنواع الشطائر (السندويش) ومن الشراب الحارّ والبارد.
ولو كتبتُ هذا المقال قبل بضع سنين لوصفت هواتف العملة التي تستطيع أن تخابر بها مَن شئت من الشارع بقروش تُسقطها في شقّ فيها، فصار عندنا الآن مثل هذه الهواتف. ونحن قادرون على أن نعمل هذا الذي ذكرت كله وأضعافَه معه، بل لقد صنعنا ما هو أكبر منه، ولعلّ الله يقيّض من الموظفين المختصين به من يقترحه على الحكومة اقتراحاً مفصَّلاً معلّلاً، فيتحقق ذلك إن شاء الله.
أمّا ما حبا الله به تلك البلاد من الخضرة والماء والأنهار التي تجري فيها والغابات التي تملأ جبالها، فهذا شيء من صنع الله ما لنا فيه عمل. ومن ساح في الأرض مثلما سحت يرى أن أوربا كلها خضراء لا ترى فيها بقعة مقفرة، وأن آسيا مثلها كلها خضراء فيها الشجر والماء، تغطّي كليهما الأشجار فيهما الأنهار الكبار. ما في الأرض إلاّ نطاق واحد من الصحارى يدور بها، من شمالي إفريقيا حيث الصحراء الكبرى، إلى جزيرة العرب، إلى أرض فارس وشمالي باكستان، ويمتدّ من وراء البحر إلى صحراء نيفادا في أمريكا. نطاق فيه أرض حرَمها الله نعمةً أعطاها غيرَها فلم يكن فيها الخضرة ولا الماء، ولكنه منحها نعمة تقابلها هي النفط في باطن أرضها.