للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه ما تُنكِرونه أو تعجبون منه؟ قالوا: نعم. قلت: ألم يقُل صاحبكم إن النظام لا خير فيه وإن وقوفنا بالصلاة متدابرين خير من أن نقف صفاً واحداً؟

فرأوا في هذا جواباً لهم من غير أن أكلّمهم. ثم قلت للترجمان: دعهم يقولوا ما جاؤوا لأجله. فسألوني أسئلة عن الإسلام أجبت عنها، وتبيّن لي منها أنهم على فهم وعلى اطّلاع ولم تبدُ لي منهم نية سوء، فسألتهم عمّا هم فيه: لماذا يختارون الوساخة على النظافة والفوضى على الترتيب؟ ولماذا يصنعون ما يستقبحه الناس كلهم ويرونه حسناً؟ فتبيّن لي من حوار طويل جرى بيني وبينهم أن هذه الأعمال التي يقوم بها الشباب في أوربا (مما صنعوا سنة ١٩٦٨ في فرنسا على عهد ديغول، ومن اعتناق كثير منهم الوجوديةَ التي دعا إليها جان بول سارتر، ثم هذه الحركات كالخنافس وغيرها ...) تبيّن لي سرّ ذلك كله وهو أنهم لم يعودوا مقتنعين بالدين الذي كان عليه آباؤهم، وأنهم حكّموا فيه عقولَهم فلم تعُد تطمئنّ إليه عقولُهم، ولم يعودوا يستطيعون أن يفهموا بأن واحداً يساوي ثلاثة (أي أن ١+١+١=١)، لذلك انصرفوا عن هذا الدين وأعلنوا خروجهم عليه، وأن هذه الحضارة التي كان يعتزّ بها آباؤهم ويفخرون بها ويستطيلون بها على عباد الله لم تعُد تطمئنّ إليها قلوبهم، لأنها حضارة مادية خالصة والإنسان جسد ونفس وروح، فلا بد له مما يضمن مصالح جسده ومسرّات نفسه واطمئنان روحه، لذلك أعلنوا خروجهم عليها بهذه المظاهر. وإلاّ (يقولون هم) فهل في الدنيا من يكره النظافة أو يفضّل أن ينام على بلاط الشارع ويترك السرير المريح النظيف؟

<<  <  ج: ص:  >  >>