للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونظروا إلى المحراب وسألوا عنه فخبّرتهم. قالوا: لماذا تتوجّهون إلى الكعبة؟ ولماذا تقدّسونها؟ وفهمت من كلامهم الذي نقله إليّ مترجم يُحسِن الألمانية والعربية، لم يكن كالمترجم الأول، فهمت أنهم يظنون أننا نعبد الكعبة كما يعبد الوثنيون أصنامهم. قلت: الكعبة بناء كأيسر وأبسط ما يكون البناء، حجارة مرصوفة ما فيها نقش ولا زخارف، وليس في داخل البناء شيء. ولقد احترقَت مرة وهدمها السيل مرة، كما يحترق وينهدم كل بناء على الأرض، فأعدنا نحن عمارتها بأيدينا وأقمناها من حجارة الجبل. فلا نعبدها ولكن نتوجه إليها امتثالاً لأمر ربنا أولاً، ولتنظيم الصفوف من حولها حين الصلاة، لأن الإسلام دين للفرد يربط قلبَه بالله، ودين للجماعة ينظمها في طاعة الله. إنها رمز نتوجه إليها، كما يقول الضابط لجنوده أو معلّم الرياضة لتلاميذه: توجهوا جميعاً إلى هذا الجدار أو هذه الشجرة؛ ما يريد تقديس الجدار ولا تأليه الشجرة وإنما يُقيم منها هدفاً لتسوية الصفوف. فنحن لا نعبد الكعبة بل نعبد ربّ الكعبة وربّ كل شيء.

فرأيت اثنين من الحاضرين يُسِرّ أحدهما إلى الآخر حديثاً فيعلّق عليه ويضحك منه، فسألت المترجم: ماذا يقولان؟ فكلّمهما ثم قال: ما هناك شيء مهم. قلت: أحبّ أن أعرفه إذا لم يكن يمنعهم مانع من عرضه عليّ. قال: لقد سأل: وما فائدة التنظيم؟ ولماذا لا يُترَك الناس أحراراً في صلاتهم يقومون كما يريدون ويصلّون ويتوجهون حيث يشاؤون؟ فأجبته جواباً عمَلياً بأن أدرت وجهي إلى الجدار وولّيتهم ظهري ثم كلّمتهم من ورائه، فعجبوا وسألوا الترجمان: لماذا صنعت ذلك؟ قلت: وهل

<<  <  ج: ص:  >  >>