كانت تُلقى فيها؟ وأين العلماء الذين كانوا يُلقون هذه الدروس؟ وأين إقبال الشباب عليها وتسابقهم إليها؟ أين المجالس الدائمة التي كانت كأنها نوادٍ أدبية أو مجامع علمية، يتصدّرها أفاضلُ حديثُهم درسٌ ومطارحتهم أنس، وأبواب هذه المجالس مفتَّحة.
مجلس الشيوخ الذي سبق الحديث عنه في هذه الذكريات، وكنت أحضره مستمعاً لا عضواً، فما كنت قد بلغت سنّ الشيخوخة ولا المنزلة التي كان عليها مَن بلغها من أعضاء المجلس، كالرئيس هاشم الأتاسي والرئيس محمد علي العابد والرئيس فارس الخوري، والعلماء الأجلاّء كالشيخ عبد القادر المغربي وأقرانه الذين سمّيت بعضاً منهم فيما سبق من حلقات هذه الذكريات.
ومجلس محمد كرد علي أستاذ الكاتبين ورائد الصحافيين، ومَن كان أبا المجامع العلمية في البلاد العربية، أنشأ مجمع دمشق سنة ١٩١٩ على حين أن مجمع القاهرة قام سنة ١٩٣٢. ومجلس مصطفى برمدا شيخ القضاء في الشام، الذي حوى صدره موسوعة فيها من كلّ علم طرف والذي ما عرف القضاءُ عندنا مثلَه فكراً وهيبة وعدلاً. ومجلس عبد الرؤوف سلطان، والأمير طاهر الجزائري حفيد الأمير عبد القادر، والسيد بدر الدين ابن أخي الأمير عبد القادر، ومجالس أساتذتنا الذين أضاؤوا لنا الطريق وأخذوا بأيدينا حتى مشينا، سليم الجندي وعبد القادر المبارك والشيخ حسن الشطي، ومجالس من أمثالها لا أريد استقصاءها وأنتم لا تعرفون أصحابها.
أين دمشق التي لم يكن يُرى فيها منكَر معلَن ولا محرَّم