حافظوا على استقلالهم، ياليتنا لم نصنع (أو لم يصنع بعضنا بأيدينا) ما كان يبتغيه المستعمر منا.
لقد خضضتَ ياسيدي الكوب فصعد ما كان في قرارته من الفكر، لقد ذكّرتني ما كنت ناسياً. إنني عشت بحساب السنين ثمانين، ولكن عمري بحساب ما رأيت من الأحداث الكبار مئتان. رأيت حكم العثمانيين، وعهد الحكومة العربية، وميسلون التي دخل علينا بعدها الفرنسيون، وعهد النضال، ثم الاستقلال، وعهداً لا بارك الله فيه هو عهد الانقلابات، وعهوداً بين ذلك كثيراً ... ما كان يومٌ منها إلاّ بكينا فيه منه وبكينا بعده عليه. وما ظلمَنا اللهُ ولكنْ ظلَمْنا أنفسَنا.
إن الله جعل لكل شيء سبباً، فالفلاّح الذي يقعد عن شقّ الأرض وبذر البذر ثم يقول:"اللهم أنبت لي الزرع" لا يُنبت الله زرعَه. والتلميذ الذي يدع الدرس ويشتغل باللهو واللعب ويقول:"اللهم اكتب لي النجاح في الامتحان" لا يكتب الله له النجاح. والأمّة التي تلعب حين الجدّ ويتربّص بها العدو فلا تُعِدّ القوة للعدوّ وتطلب من الله النصر لا يكتب الله لها النصر.
لأن الله لا يبدّل سننه في كونه وقوانينه في مخلوقاته من أجل فلاّح مهمل ولا تلميذ كسلان ولا شعب غافل. فإذا أردنا معشر المسلمين أن يغيّر الله ما نحن فيه من التفرق والانقسام وتكالُب الخصوم وغلَبة الأعداء فلنغيّر أولاً ما بأنفسنا:{إنّ اللهَ لا يُغيّرُ ما بِقَومٍ حتّى يُغَيّروا ما بأنفسِهِم}؛ هذا هو القانون، فهل غيّرنا ما بأنفسنا؟ أنا أتكلم عن نفسي فأعترف صادقاً أنني ما غيّرت!