فرجعنا إلى المحطة (وهي في أول الشارع) ننوي العودة بالقطار الذي جئنا به إذ لم نجد غايتنا، لا الأستاذ نديم وجدناه ولا السوق الذي حدّثونا عنه ولجناه، وهممت بركوب القطار، وإذا نحن بالأستاذ نديم ظبيان. فقصصنا عليه القصص فضحك، وأفهمنا أن للمحطة بابين: باباً يُفضي إلى السوق وباباً هو باب السوء يُفضي إلى مكان الفحش والبغاء. فاستغفرْنا الله من هذا الخطأ وحمدناه على السلامة.
وكنا في ضحى يوم الجمعة فقال: هلمّ بنا إلى المسجد.
وفي بروكسل مركز إسلامي ومسجد متسع يمتلئ يوم الجمعة بالمصلّين، وجمهرتهم من الأتراك. فجال بنا جولة في الشوارع حتى وصلنا إلى المسجد. ومن عظمة الإسلام أن أخوّة الإيمان تظهر في المسجد ولو اختلفَت الألسُن والألوان وتناءت البلدان، فإذا دخلتَه لم تجد إلاّ إخوة متعارفين يجمع بينهم هذا النداء القدسي: الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، وتوحّد بينهم هذه الكعبة التي يتجهون إليها؛ فكل دعوة إلى رابطة غير الإسلام بين المسلمين تُولَد ميتة، فلا الدعوات القومية ولا العنصرية ولا العصبيات الحزبية بالتي تستطيع أن تنقض ما أبرمه الله حين قرّر في كتابه أُخُوّة الإيمان:{إنّمَا المُؤمنونَ إخوةٌ}.
سلّموا عليّ (والترجمان بيننا) كأنني أعرفهم ويعرفونني من قديم، تعارفَت القلوب قبل الألسنة. وكلّفوني أن أخطب الجمعة، فخطبت خطبة كانت تُترجَم فقراتها -على عادتهم في تلك البلاد- فأجد أثرها على وجوه القوم لا سيما الإخوة الأتراك، هؤلاء الذين