ولا التأمّل في معروضاتها، ومرة لأن عليّ دفع ثمن ما تشتريه! والمرأة إن دخلت السوق لم تستطع أن تخرج منه من غير أن تشتري شيئاً وإن كانت لا تحتاج إليه.
ومدة السفر بالقطار من آخن في ألمانيا إلى بروكسل ساعة واحدة، مررنا فيها بما لست أُحصي من القرى والضواحي، وجزنا بلييج، المدينة الكبيرة؛ لم تختلف علينا المشاهد، ولكن أحسسنا باختلاف العادات ونظام السير واختلاف اللسان، أحسسنا بأننا انتقلنا من بلد إلى بلد، على حين لا أشعر إذا سافرت من دمشق إلى بغداد أو مصر أو المغرب بأنني فارقت بلدي. على أن في بلجيكا نفسها شعبين ولسانين: لساناً فرنسياً ولساناً آخر فَلمَنْكياً، لعلّه (ولست متحققاً) قريب من الألمانية. ولا تزال المنازعات والمنافسات تقع بين الشعبين وتكتب عنها الصحف، حتى إن أسماء المدن في المحطات وعلى الطرق تُكتب باللسانين (بروكسل وبروسل، وأنفرس وأنتورب).
وحطّ بنا القطار في المحطة الكبرى، وخرجنا من الباب كما قالوا لنا فلم نجد السوق الحافلة بالناس ولا الحركة الدائمة للبائعين والشارين، ولكن رأينا شارعاً كامداً شبه خالٍ فيه بيوت مفتوحة على أبوابها نسوة لا يختلفن عمّن نرى من نساء تلك البلاد، قاعدات متكشفات ساكتات لا ينطقن، ولكن هيأتهن تُريب ونظراتهن تستغرب، وكان عجبهن منا أكثر من عجبنا منهن إذ يرين كهلاً عجوزاً وامرأة كبيرة متحجبة وما في هذا الشارع أثر لحجاب. فمشينا إلى آخره وعدنا فما وجدنا تجارة ظاهرة ولا بضائع معروضة، ما وجدنا إلاّ مناظر قليلة لا يألفها أمثالنا،