فيبكي يريد مثله! ذلك لأن الإنسان يزهد فيما يملك ويشتهي ما لا يملك. وأنا لم أجد في تلك الديار من شمالي ألمانيا وبلجيكا وهولندا -على جمالها- شيئاً ليس في بلادي أجملُ منه، بل إن في جبال الشام (ولبنان وفلسطين من الشام) وفي أوديتها وفي عيونها وينابيعها وفي جداولها وأنهارها وفي خضرة شجرها وتنوع ثمرها ما ليس في تلك البلاد، وما هو أجمل منه، ولكن الإنسان مفطور على حبّ الجديد وعلى الرغبة في كشف المجهول، لذلك أسرعت إلى قطع تذكرة لي ولزوجتي في الدرجة الأولى من القطار الذاهب إلى بروكسل.
ولم يسألني أحدٌ عن جواز السفر ولا عن سمة (تأشيرة) الدخول. وكان لي في بروكسل صديق قديم وأخ كريم هو ابن شيخنا الشيخ علي ظبيان وأخو صديقنا الأستاذ تيسير ظبيان، صاحب جريدة «الجزيرة» التي كنا مع إخواننا في المجمع الأدبي لما أنشأناه نكتب فيها، هو الأستاذ نديم ظبيان. وهو أكبر سناً من أخيه تيسير، وتيسير أكبر مني، مدّ الله في عمر الأستاذ نديم ورحم أباه وأخاه.
ركبت القطار مطمئناً معتمداً على الأستاذ نديم، وقد مسّني طائف من الشيطان فنسيت أن أجعل اعتمادي على ربّ نديم لا على نديم. وخبّروني أن القطار يصل بي إلى المحطة الكبرى في بروكسل، وما عليّ إلاّ أن أهتف به (أكلّمه بالهاتف) فيحضر إليّ، وإن لم أجده خرجت من باب المحطة فإذا أنا في وسط البلد، فتتفرّج زوجتي بأسواقها وتتأمل ما يُعرض فيها، فتُسَرّ بذلك مرة وأحرم أنا المسرة مرتين: مرة لأنني لا أحب التجوّل في الأسواق