يبقى فيه. لا يغلق المسلم عليه باب المسجد ويحبس نفسَه فيه إلاّ أياماً معدودة في السنة يَحسن فيها الاعتكاف لمن أراد الاعتكاف، فإذا انقضت حمل روح المسجد ونزل متسلحاً بها إلى معركة الحياة، يعمل في السوق وفي الدائرة وفي المصنع وفي المعركة مع العدوّ لإعلاء كلمة الله، ورُبّ رجل في السوق يبيع ويشتري وقلبُه مع الله وجوارحه مقيَّدة بشرع الله أقربُ إلى الله من قاعد في المسجد وقلبُه معلَّق بالدنيا.
لذلك خرجنا بعد انقضاء الصلاة مع طالبَين من الشام صلّيا معنا ودعوانا إلى دارهما، أنا والأستاذ نديم وأهلي معي، أحدهما ابن الشيخ حسين عزيزيّة الذي كان ممن يلازم الشيخ بدر الدين، والآخر رجل أحسست لمّا رأيته بميل إليه وشعرت بأن له قلباً مؤمناً ونفساً طيبة، هو محمد الجمّال من تلاميذ الشيخ عبدالكريم الرفاعي. وقد خبّرني الدكتور عدنان الهوّاري الذي درس مع أخيه في بلجيكا وأقام فيها سنين طوالاً، ثم رجع فافتتح مَخبراً في مكة وبقي أخوه الأكبر في آخن، خبّرني أنهما لا يزالان باقيَين في بلجيكا، أمّا الأول فقد تَبَلْجَك فاستقرّ فيها وتزوّج منها، وأمّا الثاني فبقي ثابتاً عاملاً مع الدعاة إلى الله في تلك البلاد.
ذهبنا معهما وسُررت بزيارتهما، ووجدناهما يطبخان لأنفسهما، فأكلنا أكلة شامية خالصة في عاصمة بلجيكا وأكل معنا الأستاذ ظبيان. وهو في العادة مثلي لا يأكل عند أحد، ولكن صفاء نفس الشابّين والصلاح الذي كان بادياً على وجهيهما والكرم الصادق الظاهر في دعوتهما حمَلنا على القَبول. وكانت وليمة لافخمة ولا حافلة بالألوان ولا تُعَدّ من الولائم الفاخرة المترفة،