فوجدنا النوم الذي كنا نفتّش عنه ينتظرنا على هذا السرير القديم جداً العريض جداً. فما رمينا بأجسادنا عليه حتى هبط النوم علينا فلم نصحُ إلا ضحى الغد وقد فاتتنا صلاة الفجر، بعد أن سألنا صاحب الدار عن موعدها وكلّفناه أن يوقظنا إليها. فصلّيناها قضاء، ومَن نام عن صلاته كان كفّارتها الإسراع في قضائها.
وخرجنا إلى الحديقة فإذ هي عرصة مهمَلة فيها أشجار كبار محمَّلة بالثمار، وأكثرها من أشجار التفاح الذي ندعوه في الشام بالشتوي لأنه كبير الحجم جداً بطيء النضج، لا ينضج إلاّ في وسط الخريف، لذلك كنا نأكله في الشتاء. ووجدناه مُلقى على الأرض لا يلتقطه أحد وما على الأرض منه يملأ صناديق، فسألنا صاحب الدار، فخبّرَنا أن نفقات جمعه وحمله ونقله لا يفي بها ثمنه الذي يُباع به، فجرّبنا أن نذوقه فإذا هو حامض لم يبلغ حدّ النضج. وسألناه عن الطعام فقال: اطلبوا ما تشتهون أشترِه لكم أو أطبخه أنا. فطلبنا منه فطوراً فأعدّ لنا الفطور من البيض المقليّ والحليب المغليّ والعسل الشهيّ والخبز الناضج الطريّ، فأكلنا وشربنا الشاي.
وجاءنا الأستاذ نديم وقد استرحنا وشبعنا. وكذلك الدنيا: يوم لك ويوم عليك، ويوم يسرّ ويوم يسوء، وما عاش فيها أحد بالسرور الدائم ولا بالألم المستمرّ. ولقد أحصى الناصر (هل تعرفونه؟ عبد الرحمن الناصر باني «الزهراء»، الذي كان أعظمَ ملوك أوربا في عصره، الذي أنشأ في الأندلس خلافة ثانية مع خلافة بغداد وتَسمّى بأمير المؤمنين، وما ينبغي أن يتسمّى بإمارة المؤمنين إلاّ واحد لأن المسلمين جسد واحد، فهل رأيتم جسداً